الرامس ارث الاجداد وأمل الاحفاد
الرامس : الموقع والمكان
تقع أرض الرامس في شمال القطيف المدينة في الناحية الشرقية لسيحة نخيل بلدة العوامية ويتجه نحو الشمال محاذياً لساحل الخليج في جهة الشرق حتى أرض الرويس (تصغير رأس) وهو نتوء صغير داخل البحر يقع في الجنوب من مدينة صفوى في مواجهة االنتوء الكبير المسمى برأس تنورة فيفصل بين الرأس والرويس خور صغير من الماء لا يتجاوز طول ثمان مائة متر فقط فيفصل بين الرويس والرامس خطوط أنابيب البترول التي مدّتها شركة أرامكو السعودية في منتصف هذا القرن الميلادي لتنقل عبرها ما تنتجه حقول النفط الى معمل التكرير وميناء التصدير في رأس تنورة حيث يتم تصديره للخارج. ويقع أيضاً في الشمال من أرض الرامس المنطقة المشهورة بسبخة صفوى وهي أرض قاحلة تفصل بين المدينتين صفوى والعوامية.
الرامس تاريخه ورجاله
الى قبل أن يشتري الشيخ سلمان (الشيوخ) بن محمد الفرج (ت 1301هـ) أرض الرامس من الحكومة العثمانية ليبيحها وقفاً لعموم منافع أهل بلدة العوامية عام 1299هـ كانت أرض الرامس من الاراضي الرحمانية المباحة الواقعة ضمن حدود بلدة العوامية اعتاد المزارعون الذين لا يمتلكون نخيلاً في السيحة (عادة) على زراعة ما يتسنى لهم زراعته وفقاً لامكانياتهم حسب ما تقتضيه الظروف المحيطة بالمنطقة وعلى ذلك فإن تاريخ أرض الرامس يبدأ منذ اللحظة الاولى التي بدأ فيها الفلاح يضرب هذه الارض بفأسه ومسحاته ليقلب تربتها، وليبذر فيها من جهده وعرقه وكده ما يعينه على كسب قوت يومه ويسد به حاجته وحاجة عياله..لا ينازعه في ذلك منازع ولا يصادعه مصادع فالأرض لله ولمن عمّرها كما جاء في الحديث الشريف، واستمر الوقع على ذلك عشرات السنين تتعاقب الاجيال تلو الاجيال وهم في حالة جد وكد ...تدور بذلك عجلة الزمن من موسم زرع الى موسم حصاد وهكذا تمتد الحياة جيلاً بعد جيل فتنقل المسحاة من يد الى يد، وينتقل الفلاح من أرض الى ارض ضمن حدود هذه الارض المفتوحة على مصراعيها لكل من يعتقد أن الحياة جد وكفاح، لا يأبه بأسلحة الطبيعة من شمس محرقة وريح لافحة وبرد تخترق اللحم والعظم لا تحميه تلك الاسمال البالية التي بالكاد تستر تلك الاجساد النحيلة المسمّرة. ويبقى هذا الوضع ما شاء الله من السنين لا يعرف عددها الا هو حيث لا يوجد ما يوثق هذه المرحلة سوى ما يتناقله الناس بينهم جيلاً بعد جيل ابناً عن اب وأب عن جد وهكذا حتى اليوم. وبحكم أن المنطقة تقع على خط التماس بين البحر والصحراء كانت تتعرض هذه الارض شأنها شأن غيرها من المناطق المجاورة لهجمات الغزاة من البدو والاعراب الذين تنشط حركتهم عند غياب أو انشغال السلطة المركزية وهذا ما حدث عشرات المرات فيضطر الفلاح أن يستبدل مسحاته بسلاحه ليذود عن أرضه وعرضه وماله فيروي تراب هذه الارض بدمه بعد أن رواها بعرقه وجهده.. ونستطيع أن نؤرخ أحداث أرض الرامس مع بداية استيلاء آل حميد بقيادة زعيمهم براك بن غرير بن عثمان (احد اجداد عبدالمحسن ابن سرداح )على منطقة القطيف عام 1082هـ الموافق 1670م، وذلك بدعم من الدولة العثمانية لتشكل هذه القبيلة خطاً دفاعياً بينها وبين البرتغاليين المعسكرين في جنوب الخليج في تلك الحقبة من الزمن، وتركوا آل حميد يديرون المنطقة بشيء من الاستقلالية بعيداً عن السلطة المركزية التي اكتفت بالسيادة الاسمية عليها [1] .ولقد أثبت أحد أدباء القطيف في بيتين من الشعر حسب حساب الجمل تاريخ استيلاء براك بن غرير على هذه المنطقة مشيراً الى الممارسات الظالمة التي كان يقوم بها الولاة من آل حميد بقوله:
رأيت البدو آل حميد لما • تولّوا أحدثوا في الخط ظلما
أتى تاريخهم لما تولوا • وقانا الله شرهم طغى الما [2]
1282هـ
واستمر ال حمید في حكم المنطقة قرابة القرن وربع القرن كانت مليئة بالحروب والاضطرابات على مختلف الاصعدة المحلية والاقليمية أدت في النهاية الى انحسار ملكهم في عهد براك بن عبد المحسن السرداح وسقوطه على يد سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود في آخر رجب عام 1207هـ ـ 1793م إثر موقعة الشيط المشهورة التي لم تقم لآل حمید بعدها قائمة حسب تعبير ابن بشر في تاريخه ثم زال ملكهم بالفعل عام 1208هـ بعد هروب زيد بن عريعر الى الساحل الشرقي للخليج(نحو العراق و ایران). وقد أرّخ أحد الادباء تاريخ زوالهم مذيلاً لبيتين الذين ...تاريخ زوالهم بقوله: وتاريخ الزوال أتى طباقاً • وغار إذ انتهى الأجل المسمى
[3]1208هـ
ولم تكن العوامية أو الرامس تحديداً بطبيعة الحال بمنـأى عن هذه الاحداث ومجرياتها، الا أن تاريخ هذه المنطقة كعادته لم يسجل سوى بعض المقتطفات اليسيرة الا أنها تشير بشكل أو بآخر الى مدى أهمية هذا الموقع حتى في تلك الفترة المجهولة من تاريخ المنطقة نسبياً. يحدثنا كبار السن من المتتبعين عن أكثر من موقعة استطاع فيها أهل العوامية أن يصدّوا الغزاة ويمنعوهم من نهب أرضهم وزرعهم. من جملة هذه المواقع المشهودة التي تذكر في هذا السياق موقعة فاصلة قادها الزعيم علي بن محسن بن زاهر بن نمر العوامي [4] (كان حياً عام 1198هـ) استطاع فيها أن يرد كيد المعتدي الى نحره..ومع الأسف لم يصلنا من تفاصيل تلك المعركة الا تلك القصة التي يتناقلها الرواة عن أحد رجاله واسمه عبيد الله آل أبو عبد الله الذي غضب عليه زعيمه بسبب جرم ارتكبه هذا الرجل لا يرتضيه زعيم القوم فعزم على معاقبته فأزمع عبد الله الخروج والهجرة من البلد. وفي طريق خروجه وفي منطقة الخنّاق تحديداً سمع هرجاً ومرجاً بين بعض المّارة من البدو عن أخبار تفيد بمحاصرة جيش من البداة بلدة العوامية وبالتحديد في منطقة الرامس فاشتدت في الرجل الحميّة على قومه فكر راجعاً ميمماً صوب أرض المعركة فوصل اليها واذا بالجيشين في حالة استعداد ترقباً لساعة الالتحام (حيث كانت المعارك آنذاك بالسيوف والرماح فقط) فإذا بالرجل ينطلق صوب جيش الغزاة مطلقاً صوته للعنان بجملته المشهورة التي أصبحت مثلاً فيما بعد (سبّلنا والسبيل الله) فأثار الحمية والشجاعة في قلوب المقاتلين فانطلقوا وراءه فكانت لهم الغلبة والانتصار وكان لعدوهم الهزيمة والانكسار وأبلى ذلك الرجل بلاءً حسناً في المعركة مما حدى بالزعيم للصفح عنه ومكافئته على حسن بلائه.وكما أشرنا اليه آنفاً أن أرض الرامس في تلك الحقبة من الزمن لم تكن ملكاً الى أهالي العوامية بالشكل المعروف الآن، الا أنها كانت من الاراضي التي يطلق عليها بالاراضي الرحمانية المباحة لكل طالب رزق لإحيائها وزراعتها وعلى ذلك فإنه تقع عليه مسئولية صيانتها وحمايتها من المعتدين..واستمر الوضع على ذلك طيلة امتداد المرحلة الزمنية التي واكب عهد الدولة السعودية الاولى والدولة السعودية الثانية وبالتحديد في عهد الامم فيصل بن تركي بن عبد لعزيز آل سعود لذي ساعد مكثه في المنطقة فترة من الزمن إبان توطيد أركان حكم والده الامام تركي بن عبد الله على توطيد عرى العلاقة بينه وبين زعماء المنطقة الذي كان في مقدمتهم الشيخ الزعيم المرحوم سلمان (الشيوخ) بن محمد بن حسين بن صالح بن فرج بن نمر العوامي الذي استمرت علاقته مع السلطة المركزية في الدرعية والرياض في عهد الامام فيصل بن تركي وأولاده من بعده ومازال أهالي العوامية يلهجون بتلك القصص التي تناقلوها عن آبائهم وأجدادهم عن الرحلات الدورية التي كان يقوم بها سلمان الشيوخ محملاً بالهدايا مؤدياً ما عليه وعلى قومه من زكاة باعتباره ضامناً لهم أمام السلطة المركزية، ومن جملة ما يتناقلونه كيف أن الصاغة يعملون على مدار العام لحساب الشيخ سلمان المذكور في صياغة الخناجر والسيوف المذهبة التي كان يقدمها سنوياً للامام فيصل بن تركي..وعلى ذلك بقى الرعايا من أهالي العوامية آمنين مستقرين في زراعة أرض الرامس لا أحد يجرأ على منازعتهم في أرضهم وزراعتهم واستمر هذا الوضع سنين وسنين والمواطنون من أهل العوامية ينعمون بما أفاء الله عليهم من نعمة الامن والاستقرار ويؤدوا ما عليهم من زكاة وحقوق للسلطة المركزية في الرياض حتى التحق الامام فيصل بن تركي بالرفيق الأعلى في 21 رجب عام 1282هـ الموافق 9 ديسمبر 1865م [5] . فما لبث أن نشبت الحرب الأهلية بين ابنيه عبد الله وسعود، هذه الحرب الطاحنة التي أدت الى انفلات سياسي وفراع أمني في المنطقة قاد الى تدخل اجنبي سافر تمثل في الغزو التركي، بقيادة مدحت باشا والي بغداد، الذي وصلت سفنه شواطىء القطيف يوم 13 أكتوبر 1871م الموافق 27 رجب 1288هـ [6] . واستمر استيلاؤهم جاثماً على المنطقة قرابة اثنتين وأربعين سنة حتى انجلائهم الى غير رجعة بدخول موحد الجزيرة العربية الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله القطيف عام 1330هـ.وبحكم اختلاف التقاليد والمفاهيم وطبيعة المنطقة القاسية لم يستطع العثمانيون ضبط المنطقة من الناحية الامنية فقد أدى ذلك الى انفلات امني خطير تمثل في غارات القبائل البدوية المتواجدة في شرقي الجزيرة على الحواضر بشكل متتالي ولم تسلم العوامية ولا الرامس من بعض هذه الهجمات كان ابرزها معركة جبل القوم التي دارت رحاها بين بني هاجر وأهل العوامية عام 1229هـ ومعركة الشربة في مسورة القطيف حين حاصرها بعض القبائل البدوية عام 1326هـ ومعركة الطف بين أهالي القديح وبعض الغزاة عام .1326هـ وغيرها من المعارك المدونة في كتب تاريخ المنطقة. أما من الناحية الادارية فيكفي أن نعلم أنه رغم السياسة التصالحية التي كان يقوم بها سعيد باشا الوالي العثماني في عام 1299هـ/1882م واتخاذه أصدقاء من أهالي المنطقة من أهل العلم والشعراء [7]الا أنه اتخذ سياسة ضاغطة لخاصة فيما يخص الجباية ولنأخذ ما جاء في تقرير ربيع الثاني 1299هـ/فبراير 1882م لقائد السفينة الحربية البريطانية (وودلارك) مثالاً على ممارسات الظلم والقهر لهؤلاء العثمانيين يقول وودلارك :أن العثمانيين قد بدأوا يجبون رسوماً من كل السفن والمراكب التي تمر بدارين في طريقها للقطيف، كما تجبى رسوماً من نوع آخر على المركبات التي تغادر القطيف بحراً حيث يجب عليها أن تستخرج من القطيف جوازاً تدفع عليه رسوماً قدرا روبيتان، ومن يغفل ذلك يغرم في دارين ست روبيات أو أكثر. نشط المتصرف في جمع المال، كما طلب سعيد باشا من ملاك البساتين التمور في القطيف التي كانت تنتج فيما مضى 2000 وزنة من التمر، ولا يزيد انتاجها بعد أن تدهور الانتاج نظراً لحالة الاضطراب السائدة عن 500 وزنة، أن يدفعوا الرسوم على أساس حساب الانتاج القديم. عانى أهل المنطقة ضغطاً اقتصادياً كثيفاً، وقدموا الالتماسات الى متصرف الاحساء لاعادة النظر، وبدأت المنطقة تموج تيارات تحتية من الثورة المكبوتة [8] . كما كتب وكيل البحرين البريطاني بأن باشا الاحساء يجمع المال بكل الطرق الممكنة دون النظر في شرعية جبايته وأن يصر على تحصيل كل المتأخرات ولا يقبل عذراً واتهم بالرشوة كذلك كما قال الوكيل أيضاً بأن المتصرف قد سجن أمين خزينة الاحساء بعد أن حرّض بعض الأهالي على التبليغ عن تجاوزاته المالية واتهم الوكيل المتصرف بأنه أقدم على ذلك لتسوية حسابات قديمة مع هذا الرجل [9] .أما قائمقام القطيف، فقد جمع في عهد هذا المتصرف كل تجار المنطقة وتحدث معهم في شأن الرسوم المفروضة على رؤساء قرى المنطقة وطلب اليهم أن يؤدوا متأخراتهم وتملّص التجار من هذه المهمة التي لا علاقة لهم فاتهمهم القائم مقام بالعمل على تهريب رؤساء القرى الى خارج المنطقة وبعد هذا خرج الحاكم في ستين جندياً يجر مدفعاً الى قرية من قرى القطيف فوجد القرية خاوية على عروشها. وعلى هذا أرسل باخرة حربية لتجوب مياه القطيف لتقبض على كل فرد وتتحقق من هويته على أن لا يغادر الا بعد أن يحصل على جواز مغادرة بعد دفع رسوم قدرها ثلاث روبيات.كانت النتيجة هروب الكثير من أهل هذه القرى الى البحرين رغماً عن الحصار البحري العثماني المحكم لساحل المنطقة وفي ذلك يكتب الوكيل السياسي البريطاني في البحرين في 16 ربيع الاول 1299/5 فبراير 1882 الى المقيم روث يخطره بوصول بعض سكان هذه القرى الى البحرين بواسطة مراكب الصيد، وأضاف بأنه علم منهم بأن هنالك دفعات أخرى من المهاجرين في الطريق، وعبّروا الوكيل عن مخاوفه من ابلاغهم باشا الاحساء، أو قائمقام القطيف الى البحرين ويطلبهم من الشيخ. وأفاد الوكيل البريطاني أن بعض هؤلاء اللاجئين سيتوجهون الى البصرة وبغداد لتقديم الشكاوى والالتماسات. وفي خطاب أجراه في 26 ربيع الاول 1299هـ/51 فبراير 1882م يسرد الوكيل السياسي سر غضب قائمقام القطيف المفاجىء فيقول بأن قائمقام القطيف كان قد طلب الى رئيس احدى القرى بأن يشرف على رعاية بعض بساتين التمور العائدة الى الحكومة من أملاك آل سعود، وطلب الاخير بدوره الى بعض أهل القرية أن يقوموا بهذا العمل دون مقابل، فأهمل هؤلاء، ولم تعط الاشجار الا 10 بالمئة من الانتاج الذي كان عليه الحال سابقاً. وكان القائمقام قد أقام حساباته على الانتاج السابق، وكانت المشكلة، ويضيف خطاب الوكيل بأن أصحاب البساتين الخاصة لم يعانوا كثيراً فقد استطاعوا عن طريق الرشوة أن يخلصوا أنفسهم من غضب المحصلين [10] .ويروي فضيلة الشيخ فرج آل عمران القطيفي ـ رحمه الله ـ في أزهاره الارجية في معرض ترجمته للحاج على بن كاظم بن علي آل سمبل أحد شخصيات قرية الجش عن الوفد المتوجه الى والي بغداد سعيد باشا والذي ضم كل من علي بن كاظم بن علي بن محمد آل سمبل المتوفي عام 1325هـ من أهالي قرية الجش، الشيخ أحمد بن مهدي بن نصر الله المتوفي في 1/3/1306هـ، ومحمد شاه بن الحاج حسن الزاير المتوفي عام 1339هـ وكلاهما من أهالي القلعة، وسلمان بن محمد بن حسين بن صالح الفرج المتوفي في 1/1/1301هـ، وعبد الرحيم بن عبد الله بن محسن الفرج المتوفي عام 1332هـ وكلاهما من أهل العوامية، وسلمان بن داوود المتوفي في أواخر عام 1299هـ وهو من أهالي صفوى. جاءوا بغداد في أثناء عام 1299هـ يشكون من ظلم الخراصيين في خرص النخيل ولما دخلوا على الوالي قال لهم (وجاءوا أباهم عشاء يبكون) فقال بعض الجماعة ( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) [11] ..وبالفعل لم يؤمن لهم الوالي سعيد باشا، إذ كتب الى أهالي منطقة القطيف رداً قاسياً على التماساتهم التي وجهوها له طالباً العمل بسرعة على الالتزام بأوامر القائمقام الذي يقوم في هذا الصدد بتنفيذ أوامر المتصرف لتسوية حسابات الحكومة وتحصيل مستحقاتها، وهدد بأن هروبهم الى البحرين لن يغني عنهم شيئاً [12] . وفي سنة 1301/1884 وصلت اقاليم البصرة بما فيها الاحساء والقطيف فصلاً نهائياً عن بغداد وأصبحت ولاية مستقلة [13] مما زاد في الاضطراب المالي والاداري..في هذا الجو المحموم المتأجج وجد أهالي العوامية بقيادة زعيمهم الشيخ سلمان بن محمد بن حسين الفرج أنفسهم بين مطرقة الغزاة بسبب اضطراب الامن وانعدام الامان وبين سندان القوانين والانظمة الجائرة التي تفرضها الحكومة التركية التي امتنعت عن حماية أرض الرامس بل حتى العوامية من الغزاة المعتدين في حالة عدم شراء اهالي العوامية هذه الارض من الدولة العثمانية حسب الانظمة المتبعة لديها. بل لا يستبعد أن يكون هناك تحريض من القائمقام لتحريك البداة للتحرش بأصحاب المزارع لدفع أهالي العوامية للرضوخ للحكومة التركية طلباً للحماية وهذا ما حصل إذ لم يجد الزعيم الغيور على مصالح قومه وحقن دمائهم بداً من النزول الى ذلك فدفع عشرين ألف روبية لقائمقام الدولة العثمانية آنذاك واشترى بذلك أرض الرامس وفقاً لعموم منافع عموم أهالي العوامية كما يوضح ذلك الصك الصادر من قبل الفقيه الشيخ علي أبو عبد الكريم بن حسن علي الخنيزي المذكور آنفاً.وآمن الناس مرة أخرى على أموالهم ومزارعهم مدة يسيرة فازداد الاقبال على زراعة هذه الارض ورغب الكثيرون من القرى المجاورة للهجرة الى العوامية للاستفادة من هذه البادرة التي تمثل ثورة بكل المقاييس في عالم أقرب ما يكون الى الاقطاع وسيطرة رأس المال..وهنا لا بد من التأكيد على موضوعين مهمين:
الأول: أن سلمان بن محمد الفرج(کان اصله یهودیا) لما أباح أرض الرامس وقفاً لعموم منافع أهالي العوامية لم يكن ينشأ وضعاً جديداً بل كرّس وضعاً كان قائماً، وبذلك فإن سلمان وبسبب ضغوط الانظمة التركية وثّق ورسّم هذا الكيان فأصبح له وضعه القانوني المتكّيف مع الانظمة السائدة في هذه الدولة آنذاك، على اعتبار أن أرض الرامس مزروعة بشكل أو بآخر من قبل المزارعين من أهل العوامية قبل وبعد شراء سلمان الشيوخ الفرج لهذه الارض كما ذكرنا في صدر هذا الفصل.وقد استمر هذا الوضع في المدة الباقية من حياة سلمان الذي توفي اليوم الاول من شهر محرم عام 1301هـ وعلى منواله وطريقته سار ورثته من بعده متسالمين جميعاً على أرض الرامس مباحة وقفاً لعموم منافع أهل العوامية حتى يرث الله الارض ومن عليها وفي مقدمتهم ابنه الاكبر محمد بن سلمان الذي خلف اباه في المكانة والزعامة سائراً على نفس النهج في البر والاحسان الى أهله وقومه شأنه شأن أبيه الراحل الا أن الاجل لم يمهله حيث توفي وهو في رحلته قادماً من اداء فريضة الحج عن طريق البحر عام 1305هـ، وكان مصاحباً للعلامتين الفقيه الشيخ أحمد بن صالح آل طعان الستري القديحي (ت 1315هـ) والشيخ علي بن حسن البلادي القديحي (ت 1340هـ) فجعل الشيخ أحمد المذكور وصياً له وهو في مرض الموت على ظهر السفينة فانتقل صك شراء الرامس مع بقية صكوك الاوقاف وبعض الاملاك التي دخلت في الثلث الى حوزة الشيخ أحمد التي انتقلت بعد وفاته عام 1327هـ الى حوزة ابنه الشيخ محمد صالح وبعد وفاته عام 1335هـ انتقلت الى حوزة ابنه علي بن تقي الذي أفاد الشيخ الفقيه علي بن حسن بن علي الخنيزي ( ت 1362هـ) القاضي الشرعي حيث استخرج صك الرامس الآخر بأنه قد تلف، وكان ذلك في حريق شب في منزلهم في القديح فالتهم جملة من الوثائق المهمة كان ضمنها صك شراء الرامس المشار اليه حسب دعوى علي تقي المذكور.وطوال هذه المدة وحتى أيامنا هذه لم يصدر من ورثة المرحوم سلمان الشيوخ آل فرج ما يشير بأي شكل من الأشكال الى ادعاء ملكية هذه الارض باعتبارها من بقية ارث سلمان علماً أنه ظهر من هذه الاسرة من القيادات سواء من أبنائه محمد وعلي الأكبر وعلي الأصغر أو أصهاره امثال المرحوم الزعيم حسين بن علي بن عبد الله الفرج ت 1329هـ وابن عمه عبد الله بن مهدي بن عبد الله الفرج والزعيم عبد الرحيم بن عبد الله بن محسن الفرج ت 1332هـ واخوته نصر وعلي ابناء عبد الله بن عبد المحسن الفرج وسلمان بن علي بن محسن الزاهر، وكذلك أحفاده وأسباطه امثال الشيخ الفاضل سعود بن محمد بن سلمان الفرج ت 1335هـ والمرحوم حسن علي بن علي بن سلمان الفرج ت 1364هـ والمرحوم الحاج أحمد بن علي بن سلمان ت 1384هـ والمرحوم عبد الله بن محمد بن سلمان والمرحوم الزعيم الفارس محمد بن حسين بن علي الفرج ت 1367هـ [14] وعلي بن عبد الرحيم بن عبد الله الفرج وأحمد بن علي بن عبد الله بن محسن الفرج ت 1366هـ وغيرهم.وهؤلاء جميعاً حازوا من الزعامة والمكانة ما يمكنهم من وضع يدهم على هذه الارض لو أرادوا ذلك الا أنه يمنعهم في ذلك يقينهم العميق بأن الرامس قد خرج من ملكية سلمان الشيوخ عندما أوقفه لصالح أهل بلدته، وهذا ما تؤكده أيضاً أوراق مقاسمة ورثة المرحوم سلمان التي لم تشر أي وثيقة منها على كثرة ما ذكر من عدد النخيل والممتلكات التي يملكها سلمان رحمه الله الى أرض الرامس على اعتبار أنها من ضمن الممتلكات التي خلفها سلمان لورثته..بل ما حدث هو العكس تماماً حيث لوحظ أن هؤلاء النفر من كان بين أشد الناس حماساً واندفاعاً لحماية حقوق المزارعين في هذه الارض وأن منهم من تسنم الولاية عليها في زمن ما من تاريخ هذه الارض امثال محمد بن سلمان وأحمد بن علي بن سلمان وابنه علي بن أحمد بن سلمان الذي تولى النظارة على ارض الرامس حتى وفاته عام 1414هـ وما برحت الولاية تحت هذه الارض في يد ذرية الواقف سلمان بن محمد بن حسين الفرج رحمه الله حتى يومنا [15] ، وإن آخر من تولى هذه الارض الطيبة هو الوجيه حسن بن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سلمان (الشيوخ) آل فرج وحتى يومنا هذا بموجب الولاية الصادرة في 23/12/1401هـ من فضيلة الشيخ عبد الحميد الخطي قاضي محكمة الاوقاف والمواريث في القطيف، برقم 52/1 وتاريخ 5/2/1402هـ.
الاهالي يصدرون صكاً جديداً للرامس
وكما ذكرنا سابقاً فإن الرامس لم يكن له بعد موت محمد بن سلمان الفرج عام 1305هـ ولياً بالمعنى المعروف سوى الولاية الشرعية العامة التي يقوم بها الفقهاء المحليون الذين بدورهم يوكلون من يثقوا به للقيام برعاية هذه الارض وحفظ حقوقهم، واستمر هذا الوضع حتى حلول عام 1358هـ عندما اضطر اهالي العوامية للذود عن أرضهم عندما أراد بعض المقاولين من خارج البلدة لاقتطاع جزء من الارض بغية المقاولة عليها مع املاك الدولة حسب النظام المتبع فتصدى لهم أهل العوامية في مقدمتهم العلامة الفقيه الشيخ علي بن الفقيه الشيخ جعفر أبو المكارم العوامي [16] وفي معيته الخطيب المفوه الملا حسن بن علي بن عبدالله الفرج [17] اللذين استطاعا رغم فقدان صك الشراء حسب ما بيناه في الصفحات السابقة تمكنا من استخراج صك آخر لأرض الرامس يوضح فيها عائدية هذه الارض مع بيان حدودها وكان ذلك على يد القاضي الشيخ علي (أبو عبد الكريم) بن حسن علي الخنيزي [18] المعين والمعتمد من قبل الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ ولقد صدر هذا الصك في تاريخ 16/1/1360هـ ولقد وضح القاضي المذكور بخط يده عائديه هذه الارض وأثبت وقفيتها مع بيان حدودها حسب الطبيعة، وقد كان ذلك بشهادة عدد قدر بـ ثلاثة وعشرين فرداً من الرجال المعتمدين الثقاة والموثقين ومن ظاهرهم الصلاح كما أشار الشيخ علي في الصك المشار اليه، كما وثّق للقاضي الشيخ علي اجماع الملأ الكثيرين من أهالي العوامية على جعل الولاية والنظارة للفاضل الشيخ علي بن الشيخ جعفر كما نصّت عليه الوثيقة المذكورة.. وقد بيّنت الوثيقة حدود أرض الرامس الطبيعية على النحو التالي:شمالاً: الصبخة والرويس جنوباً طريق بندر العوامية ومقطع تاروت
شرقاً: ساحل البحر غرباً: سيحة النخيل والسبخة. وجرياً حسب النظم المتبعة في ذلك الوقت التي تلزم اصحاب الاملاك ترسيم صكوكهم لدى كاتب العدل، جرى ترسيم هذا الصك لدى كاتب عدل القطيف المرحوم عبد الجليل الزهيري، وعلى ذلك تم تسجيل ارض الرامس لدى كاتب عدل القطيف المذكور برقم 112/1 وكان ذلك في تاريخ 6/7/1360هـ. ودفع أهالي العوامية الرسوم المطلوبة عليهم والتي بلغت:100 قرش سعودي لاثبات الشراء 100 قرش سعودي لاثبات الوقفية 20 قرش سعودي رسم الوقفية40 قرش سعودي رسم النظارة المجموع: 260 قرشاً الا أن تهميشة كاتب عدل القطيف على الصك حوت مفارقة كبيرة يناقض أسفلها أعلاها، عندما أشار الى أن مجموع مساحة أرض الرامس عدد 117148 ذراعاً مربعاً وبحسبة بسيطة مع افتراض أن الذراع يساوي نصف متر فإن هذه المساحة تعادل بالحساب المترى 29287متراً مربعاً، وهذه المساحة لا تنطبق مع الحدود المبيّنة في الصك من قبل القاضي الفقيه الشيخ علي ابو عبد الكريم الخنيزي الأمر الذي يجعل من هذا الصك يناقض أسفله اعلاه الامر الذي أثار جدلاً بين المواطنين وبعض الجهات لم يحسمه الا رجل المواقف الصعبة الامير تركي العطيشان يرحمه الله امير منطقة رأس تنورة آنذاك في العام 1384هـ وذلك بتكليف من سمو الامير سعود بن عبد الله بن جلوي آل سعود يرحمه الله بموجب الامر الصادر في الخطاب الموجه الى امارة القطيف في تاريخ 4/6/1384هـ ورقم 3191/2 القاضي بتشكيل لجنة رئاسة الامير تركي لحسم موضوع مساحة ارض الرامس وبعد تحقيق مستفيض والوقوف على ارض الرامس ومعاينتها على الطبيعة ومسائلة كبار السن من أهل الخبرة وصل الامير تركي الى قناعة بحدود ومساحة أطوال الرامس حسب ما هي مذيلة في الصك المذكور وأثبت ذلك في محضر أعده لهذا الغرض ورفعه لمقام سمو امير المنطقة الشرقية وقد كان ذلك بحضور عدد لا بأس من الوجوه والاعيان من العوامية وغيرها نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1. الحاج المرحوم مهدي بن عبد الله الفرج، عمدة العوامية الاسبق ت 1388هـ. 2. الحاج المرحوم باقر بن أحمد بن علي الزاهر، عمدة العوامية السابق ت 1415هـ. 3. الحاج المرحوم الملا محمد بن حسن بن علي الفرج، عمدة العوامية السابق ت 1398هـ. 4. المرحوم الحاج عبد الكريم الشيخ علي، ت1400هـ. 5. السيد حسين العوامي ـ حي يرزق 6. طه حسن علي الفرج ـ حي يرزق
وعلى ذلك، فإنه ومن واقع مهني اشير الى أن المساحة المزعومة في الصك المذكور هي مساحة تخمينية اعتباطية لم تبن على أساس علمي هندسي حيث لم تكن توجد آنذاك ( عام 1360 ـ 1940م) إمكانية فنية أو تقنية متوفرة في هذه المنطقة يمكن من خلالها تنفيذ عمل مساحي يوثق به ويعتمد عليه في تثبيت حقوق المواطنين في تلك الفترة من الزمن قبل ثمانية وخمسين عاماً.
ولهذا، فإن أكثر القضاة في المحاكم لا يديرون بالاً الى مثل هذه المساحات لعلمهم بالظروف المحيطة بها، ولذلك أوجبوا على أصحاب الأملاك وأولياء الاوقاف اصدار حجج استحكام جديدة لأملاكهم وأوقافهم بموجب رفع مساحي من مكتب هندسي معتمد مع عدم الاعتماد عليه ايضاً، والوثوق به الا بعد تصديقه وتوثيقه من عدة دوائر رسمية بها أجهزة اختصاص يتم عبرها دراسة هذا العمل المساحي من الناحيتين الفنية والقانونية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هذه المساحة لا تنسجم اطلاقاً مع القيمة المضبطة في الصك والتي أثبتها أبناء الشيخ علي أبو عبد الكريم بـ 20000روبية ثم ذيلها كاتب عدل القطيف عبد الجليل الزهيري بعد تحويله الى العملة المحلية بـ 240000 قرشاً (مائتان وأربعون ألف قرش). فهل يعقل أن يكون هذا ثمناً لأرض جرداء الا من بعض النخيل والمزارع الموسمية..إن سلمان لو أراد أن يشتري نخيل السيحة لاشتراها بهذا المبلغ الذي يعد ثروة في تلك الفترة من الزمن. ثم لماذا يحشد القاضي في ذلك الزمن هذا العدد الكبير من الشهود (ثلاثة وعشرون شاهداً) وفيهم العمد والثقة والموثق من مختلف القرى المجاورة كما أفاد بخط يده في الصك المشار اليه..ومن الغريب أن كاتب عدل القطيف لم يكتفِ بهذا العدد، فلقد أثبت ما عدده 48 شاهداً حسب ما جاء في تذييله في الصك المذكور.
هل يعقل أن يكون هذا في أرض مساحتها لا تتجاوز 30000متراً مربعاً، ان ذلك أمر لا يصدقه عاقل اطلاقاً..ثم هل يعقل ايضاً أن تتم مبايعة بعد مفاوضات عدة بين دولة عظمى كالدولة العثمانية في ذلك الوقت وبين شيخ من مشايخ المنطقة...على قطعة صغيرة من الارض. وبعد استقرار الحال بقي الشيخ علي بن الشيخ جعفر ولياً وناظراً على أرض الرامس فشرع في الاهتمام بهذه الارض وبادر بنفسه في فلاحة هذه الارض وتشجيع الاهالي في الاستمرار في زراعتها وكي يكون لهذا الواقع معنى بادر الشيخ بحفر العين الارتوازية التي سميت باسمه ومازلت هذه العين متدفقة باقية بصمة على سطح الزمن وشاهداً حياً ينبض بالشكر والعرفان لهؤلاء الرجال العظام الذين لولا التضحيات الجسام التي قدموها من دمهم وجهدهم ومالهم وجاههم لاصبحت هذه الارض نسياً منسياً وأثراً بعد عين وهذه كلمة اسلجها للتاريخ ذلك إن كان سلمان الفرج هو الذي قيّض لهذا الكيان بالظهور فإن الشيخ علي أبو المكارم والملا حسن الفرج رحمهما الله هما صاحبا الفضل الأكبر لهذا الكيان بالبقاء والاستمرار.
واستمر الشيخ علي في مشروعه الكبير بزراعة ارض الرامس وتشجيع المزارعين في الاستمرار ومضاعفة الجهود لزراعة اكبر مساحة من هذه الارض الا أن الاجل لم يمهله فلقد لبّى نداء ربه وهو في قمة عطائه الفكري والعملي وهو في سنّه الواحد والخمسين وكان ذلك في جمادى الاول 1364هـ.. وانتقل صك الرامس بعد ذلك الى أحد أحفاد الواقف سلمان الشيوخ المرحوم الحاج احمد بن علي بن سلمان وبقي عشرين عاماً حتى وفاته عام 1384هـ ثم انتقل هذا الصك الى المرحوم الملا محمد بن الملا حسن بن علي الفرج الذي كان عمدة البلاد في ذلك الوقت. ولقد توفي محمد بن حسن الفرج عام 1398هـ وبقي الصك عند ورثته حتى تم تسليمه الى الولي الحالي لأرض الرامس حسن بن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سلمان الفرج.
الاهالي يستصدرون ولاية للرامس
في يوم 12/5/1401هـ تقدم اهالي العوامية الى فضيلة قاضي محكمة الاوقاف والمواريث فضيلة الشيخ عبد الحميد الخطي، وكان من بين الاهالي المرحوم الحاج باقر بن أحمد الزاهر والسيد حسين بن السيد سلمان السيد هاشم العوامي وعبد الحميد وطه ابني حسن بن علي الفرج وسلمان بن صالح بن محمد بن سلمان الفرج وابنه أحمد بن مهدي بن حسين الفرج والسيد علي بن السيد سعيد العوامي وحسين بن محمد بن حسين الفرج موضحين اختيارهم الراحل حسن بن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سلمان ولياً على أرض الرامس الوقف وأن يكون الحاج علي بن أحمد بن علي بن سلمان الفرج ناظراً عليه، فأقامه فضيلة الشيخ عبد الحميد الخطي قاضي محكمة الاوقاف والمواريث ولياً على أرض الرامس الوقف يرعى مصالحه ويحفظه ويقوم بالدفاع عنه وما يعود اليه من حقوق وحدود وتوابع ولواحق حسب ما جاء في نص الولاية الصادرة من محكمة الاوقاف والمواريث برقم 52/1 وتاريخ 5/2/1402هـ.
الرامس بين حاضره ومستقبله
يعتبر الرامس اليوم أرضاً زراعية على نحو العموم تنتشر فيه المزارع الممتدة من جنوبه الى شماله ويزداد هذا الانتشار الى درجة التكدّس كلما اتجهنا جنوباً وغرباً ويرجع ذلك الى قرب هذه المزارع من مصادر المياه وهي عبارة عن مياه صرف نخيل السيحة المحاذية لأرض الرامس وهذا هو السبب الذي يعزى اليه تكثّف الزراعة في مساحة صغيرة من أرض الرامس حتى فترة غير بعيدة، أما اليوم وبعد حفر الآبار الارتوازية في أماكن مختلفة من أرض الرامس بدأ المزارعون في الانتشار زحفاً نحو الشمال والشرق حتى بلغ مجموع مساحة الأرض المزروعة في أرض الرامس ما يعادل ثلثي المساحة الكلية. وتشتهر هذه المزارع بانتاج الطماطم بشكل رئيسي وهو من أجود أنواع الطماطم المتوفرة في المنطقة على الاطلاق وقد وصلت شهرته الى خارج الحدود..كما تنتج هذه المزارع الطروح والخيار والبطيخ والبوبر وغيرها من الفواكه والخضروات، الا أن الفوضى وعدم التنظيم هي السمة المرئية لهذه المزارع إذ يغلب عليها البدائية وعدم الانضباط سواء في طرق الزراعة أو أساليب الانتاج أو طرق التسويق..كما أن الطرق المؤدية الى هذه المزارع تتسم غالباً بالضيق والوعورة وكثرة التعرجات والمنحنيات وبعض المزارع لا تصل اليها السيارات اطلاقاً، هذا ناهيك عن افتقار هذه المنطقة الى جهة منظمة تضبط العلاقات بين المزارعين وتنظم أمورهم وتحافظ على حقوقهم وواجباتهم..كل هذه الامور مجتمعة ادى الى تفاقم المشاكل بين المزارعين أنفسهم، فضلاً عن وجود الاخطار الخارجية، مما دعى بشكل ملح الى تكوين لجنة تكون عوناً للولي الشرعي لأرض الرامس تعنى بادارة شؤون هذه الارض والمحافظة على حقوقها وصد الاخطار والاطماع المحدقة بها سواء من الداخل او الخارج.. أول ما قامت به هذه اللجنة، هو السعي لاصدار حجة استحكام لأرض الرامس تمشياً مع النظم والقوانين المتبعة، الامر الذي ألزم عمل رفع مساحي لكامل أرض الرامس بموجب حدودها المبيّنة في الصك المشار اليه، والتي مازلت معالمها موجودة لحسن الحظ وبتحديد كبار السن من أهل الخبرة.
وبالفعل تم هذا العمل المساحي العملاق حيث بلغت مساحة هذه الارض 1449010 متراً مربعاً (ثمانية ملايين وأربعمائة وتسع وأربعين ألف متراً). كما بادرت هذه اللجنة ولفك حالة الاختناق والتكدّس للمزارع الموجودة في المنطقة الجنوبية الى تشجيع المزارعين على الزراعة في المنطقة الشمالية وذلك بعد تنظيمها وتهيئة الطرق الزراعية الموصلة الى هذه المزارع بكل يسر وسهولة ونظام وتجهيز شبكة الري والصرف، كل ذلك قد تم على أحسن ما يكون وبإمكانات بسيطة جداً..الا أن ذلك المشروع ورغم الاقبال المنقطع النظير قد تعثر بل أجهض لأسباب يستميحنا القارىء الكريم في عدم ذكرها.أما مستقبل أرض الرامس فهو مستقبل يفرضه الموقع المتميز لهذه الأرض، إذ هي واقعة في حلق التقدم العمراني لمدينة القطيف حيث يقع وبشكل مباشر لحي الناصرة الكبير الذي يعتبر آخر ما وصل اليه الزحف العمراني الواسع للمنطقة المتجه شمالاً، وعلى ذلك فهو يشكل الامتداد الطبيعي لهذا الزحف العمراني خصوصاً اذا أخذنا بعين الاعتبار ارتفاع معدلات النمو السكاني والعمراني في المنطقة ومن ناحية اخرى وبحكم موقع أرض الرامس بمحاذاة ساحل البحر فإن هذا الموقع يضفي على هذه الارض صفة جذب اخرى لتشكل منطقة سكنية متميزة يستطيع أن تستوعب الفيضان السكاني للمرحلة القادمة خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار الطريق الساحلي (الكورنيش) الممتد عبر مدن المنطقة الشرقية الساحلية الذي يمر بمحاذتها من جهة الشرق والذي يعد واحداً من أهم معالم منطقة الخليج على الاطلاق. هذا بالاضافة الى أن هذه المنطقة تعتبر وبشكل تلقائي المساحة الرابطة بين النسيج العمراني المترابط الذي يبدأ بمدينة الخبر جنوباً وينتهي بمدينة القطيف شمالاً مروراً بالمدن الثلاث الدمام وسيهات وعنك والنسيج العمراني الآخر والذي يبدأ بمدينة صفوى وما يتبعها من القرى ومن ثم الى مدينة رحيمة (رأس تنورة). وهذا يوضح الاهمية الكبيرة لموقع أرض الرامس بالنسبة للتمدد العمراني للمنطقة برمتها في المستقبل المنظور.